الدنيا لا تستحق أن تضحي بمستقبلك الأبدي من أجلها

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد، لماذا الله سبحانه يخبرنا في كتابه الكريم عن الدنيا وسرعة فنائها ؟ ما هي الغاية ؟

الغاية حتى نرفع عن أعيننا حجاب سحرها لنبصر الحقيقة، من أهم وأعظم فوائد عدم التعلق بالدنيا هو عدم التمزق عند الخروج منها كلما زادت حبالك المرتبطة بالدنيا، كلما زاد تمزقك وألمك عند الخروج منها فشدة التعلق بالدنيا تجعل الفراق كاقتلاع شجرة هائلة كبيرة ذات عروق كثيفة عميقة.

فتعاني الروح الألم العظيم عند انفصالها عن كل ما ارتبطت به، النبي صلى الله عليه وسلم يعطينا مشهدا من مشاهد خروج الروح قال عليه الصلاة والسلام أما المؤمن الصالح اذا كان في انقطاع من الدنيا واقبال على الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس الله أكبر. متخيلين يا اخوة يا أخوات كيف وجوههم كشمس من الاشراق والأمل ؟ فيقول تنزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء الله اكبر ! انظرو إلى السلاسة والسهولة في خروجها، انظروا إلى الفرق بين من هو مستعد متعلق بالأعلى، وبين من هو غارق بالسفلى.

الزهد بوضوح هو أن تكون الدنيا خلف ظهرك والآخرة أمام عينيك، أن يكون الله هو الأول في حياتك، أن تنزع جذور الدنيا من قلبك فيكون حرا طليقا قد تحرر من مخالبها المدمية فيرنو ويعلو فوق مشاكلها وشتاتها.

قال عليه الصلاة والسلام: "من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له." اخرجه الترمذي.

فراحة البال والامان، واستقرار النفس، وطيب العيش بأن يكون الله هو الأول في حياتك وهو الغالب في يومك على كل ما حولك.

قال ابن القيم وهو يصف راحة بال الزاهد، وهو يصف النعيم الروحي الذي يحيا به الزاهد، يقول : الزاهد أروح الناس بدنا وقلبا، ومن أنعمهم عيشا، وأقرهم عينا وأطيبهم نفسا، وأفرحهم قلبا فإن الرغبة في الدنيا تشتت القلب وتبدد الشمل وتطيل الهم والغم والحزن فهي عذاب حاضر يؤدي إلى عذاب منتظر أشد منه.

سؤل الزهري عن الزاهد فقال: "من لم يغلب الحرام صبره ولم يشغل الحلال شكره."

الزهد لا يعني ترك الدنيا بالكامل، الزاهد يضع الآخرة نصب عينيه ولكنه لا ينسى أن الدنيا هي مزرعة الآخرة.

الزهد هو فراغ القلب من الدنيا لا فراغ اليد منها، تخيلوا هذه الدنيا المبهرة لنا هي عند الله لا شيء بالنسبة لمملكة الآخرة، مسكين الانسان يعتقد أن جناح البعوضة هي الحياة والله يخبرنا أن الآخرة هي الحياة الحقيقية.

هي المملكة التي تفوق كل خيالات البشر، لو كانت تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

فمسكين من جعل همه ورأسه وبنيانه على جناح بعوضة، فلا تبني أحلامك على جناح بعوضة ذلك، هو والله الخسران المبين وابني حياتك المستقبلية على أرض النعيم الأبدي في مقعد صدق عند مليك مقتدر ذلك هو الفوز العظيم.

في كتاب عدة الصابرين لابن القيم الجوزي رحمه الله يقول: مثلت الدنيا بامرأة من أقبح النساء قد انتقبت على عينين فتنت بهما الناس وهي تدعو الناس إلى منزلها، فإذا اجابوها كشفت لهم عن منظرها وذبحتهم بسكاكينها وألقتهم في الحفر وقد سلطت على عشاقها تفعل بهم ذلك قديما وحديثا.

والعجب أن عشاقها يرون اخوانهم صرعا قد حلت بهم الآفات وهم يتنازعون في مصارعهم سبحان الله يعني تقتلهم وهم يتنافسون عليها تخيلوا يا اخوة وفعلا يقول سبحانه: "وسكنتم في مساكن الذين ظلموا انفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال."

نحن نرى أمام أعيننا الموتى الذين ندفنهم كل يوم في القبور كم جنازة حضرنا، وكم اعلان قرأنا كل يوم أناس يخرجون من هذا الاختبار ويغادرون إلى العالم الآخر، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني."

ويقول ابن القيم في كتاب الفوائد: "من عشق الدنيا نظرت إلى قدرها عنده فصيرتهُ من خدمها وعبيدها وأذلتهُ، ومن أعرض عنها نظرت إلى كبرِ قدرهِ فخدمته وذلت له."

لتكن صاحب بصيرة، لتكن رؤيتك أبعد من الدنيا، لتكن صاحب بصيرة.

الدنيا لا تستحق أن تضحي بمستقبلك الأبدي من أجلها !